يقول: (اعلم أن لكل بدل من الأبدال السبعة قدرة تمده من روحانية الأنبياء الكائنين في السموات، فينزل مدد كل بدل من حقيقة صاحبه الذي في السماء، قال: وكذلك أمداد الأيام السبعة تتنزل من هؤلاء الأبدال) لكل يوم مدد يختص به من ذلك البدل، ولذلك أكثر كلمة توجدونها عند
الصوفية في الدعاء والاستغاثة هي كلمة: مدد يا فلان، فالأبدال السبعة والأيام سبعة، وكل واحد في يوم يمد، وسماء من السموات السبع يمد. يقول: (وإن قلت: فهل يزيد الأبدال وينقصون بحسب الشئون التي يبدلها الحق تعالى، أم هم على عدد واحد لا يزيدون ولا ينقصون؟ يقول: فالجواب: هم سبعة لا يزيدون ولا ينقصون، وبهم يحفظ الله الأقاليم السبعة)؛ لأنه في الجغرافيا القديمة عندهم أن الأقاليم سبعة، ولا يمكن أن يزيد أي إقليم، فلذلك قالوا: إن الأبدال لا يمكن أن يزيدوا، ومن شأنهم العلم بما أودع الله تعالى -النظرية الوثنية اليونانية دائماً نجدها- في الكواكب السيارة من الأمور والأسرار في حركاتها ونزولها في المنازل المقدرة، ولذلك دين هؤلاء مركب من دين الوثنيين، من اليونان والصابئين وأمثالهم؛ لأن القوم الذين بعث الله تبارك وتعالى فيهم إبراهيم عليه السلام، وكان منهم أهل
حران الذين كانوا يعبدون الكواكب، ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى: ((
وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ))[الأنعام:75]، ثم ذكر: ((
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي ))[الأنعام:76] الآيات، فكفر بعبادة الكواكب، ولا تنافي بين كونهم كانوا يعبدون الكواكب وبين كونهم يعبدون الأصنام، كما قال: ((
مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ))[الأنبياء:52]، فهم يعبدون الأصنام ويعبدون الكواكب بزعمهم أن لكل كوكب هيكل أرضي، فيبنون هيكلاً للمشتري، وهيكلاً للمريخ، وهيكلاً لكذا من الكواكب، ويصورون أصناماً ويعبدونها ويقصدون بذلك عبادة الإله الذي هو في نظرهم ذلك الكوكب، والمهم أنهم يعتقدون أن تدبير الكون، وأن ما يحصل من إعطاء الناس من الرزق أو الإحياء أو الإماتة أو إنزال المطر أو العافية أو المرض أو كل ما هو من تدبير هذا الكون، إنما يحصل من الكواكب السبعة، فجاء هؤلاء الذين يدعون أنهم من أهل الإسلام ومن أهل الدين، فجعلوا هذه الصفات للأبدال السبعة، وجعلوا لكل إقليم بدلاً من الأبدال يدير شئونه ويصرف أموره، تعالى الله عما يصفون.وسموا أبدالاً لأن كل واحد منهم إذا فارق مكانه خلفه آخر على صورته لا يشك الرائي أنه ذلك البدل، فالمشكلة أن البدل واحد في المظهر، لكن في الحقيقة يتبدل، فإذا رآه أحد يظن أنه هو البدل الأول الذي رآه من قبل، بينما يكون ذاك قد مات، وجاء الآخر على نفس صورته، وكل هذا تخريف. ثم تكلم عن روحانية الكواكب وما فيها، فيقول: (اعلم يا أخي! أن الله تعالى جعل هذه الأرض التي نحن عليها سبعة أقاليم، واصطفى من عباده المؤمنين سبعة سماهم الأبدال، وجعل لكل بدل إقليماً يمسك الله وجود ذلك الإقليم به)! تعالى الله عن ذلك، فهو سبحانه قادر أن يمسك كل شيء، وأن يدير كل شيء بغير هؤلاء، أو يدبرها عز وجل بواسطة ملائكته الكرام، يقول: (فالإقليم الأول من السماء الأولى...)، وبعد ما ذكر الأقاليم كلها يقول: (قال الشيخ
ابن عربي : وقد اجتمعت بهؤلاء الأبدال) فكلما يذكر شيئاً يقول في النهاية: أنا قد قابلتهم فأخذت منهم العلم مباشرة -السبعة بـ
مكة خلف حطيم الحنابلة- لأنه في أيامهم كانت المنابر أربعة، وكل مذهب يصلي وحده -حين وجدتهم يركعون هناك، فسلمت عليهم وسلموا علي، وتحدثت معهم، فما رأيت أحسن منهم سمتاً، ولا أكثر شغلاً منهم بالله عز وجل، وما رأيت مثلهم إلا سقيط الرفرف بن ساقط العرش بـ
قونية ، وكان فارسياً رضي الله تعالى عنه، أي: أنه رأى واحداً مثلهم من الفرس في مدينة
قونية في
تركيا ، وفيها أيضاً نفس المشاهد من الشركيات والضريح الكبير، وأظنه ضريح القطب الذي يسموه:
جلال الدين الرومي ، حتى أنني ذات مرة التقيت بواحد من الأتراك فتحدثنا عن
قونية ، فجلس يشرح لي وما فهمت ماذا يقصد أول مرة؛ لأنه يعمل مثل الرحى، قلت له: في وسط
تركيا ، قال لي: لا، وما فهمت ماذا يريد؟ فجاء أحدهم فترجم وقال لي: فيها ضريح القطب الذي يدور، وأشار لي بالرحى والوتد.